سورة يوسف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} الآية.
يقول: شاع أمر يوسف والمرأة في المدينة مدينة مصر. وقيل: مدينة عين الشمس، وتحدث النساء بذلك وقلن- وهنّ خمس نسوة: امرأة حاجب الملك، وامرأة صاحب الدواب، وامرأة الخباز، وامرأة الساقي، وامرأة صاحب السجن، قاله مقاتل.
وقيل: هنَّ نسوة من أشراف مصر-: {امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا} أي: عبدها الكنعاني، {عَنْ نَفْسِهِ} أي: تطلب من عبدها الفاحشة، {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} أي: عَلِقَها حبا.
قال الكلبي: حجب حبُّه قلبَها حتى لا تعقل سواه.
وقيل: أحبَّتهُ حتى دخل حبه شغاف قلبها، أي: داخل قلبها.
قال السدي: الشغاف جلدة رقيقة على القلب، يقول: دخل الحبُّ الجلدَ حتى أصاب القلب.
وقرأ الشعبي والأعرج {شَعَفَهَا} بالعين غير المعجمة، معناه: ذهب الحُبُّ بها كل مذهب. ومنه شعف الجبال وهو رؤوسها. {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي: خطأ ظاهر. وقيل: معناه إنها تركت ما يكون عليه أمثالها من العفاف والستر.
{فَلَمَّا سَمِعَتْ} راعيل، {بِمَكْرِهِنّ} بقولهن وحديثهن، قاله قتادة والسدي.
قال ابن اسحاق إنما قلن ذلك مكراً بها لِتُرِيَهُنَّ يوسف، وكان يوصف لهنّ حسنُه وجماله.
وقيل: إنها أفشت إليهن سرَّها واستكتمتهن فأفشَيْن ذلك، فلذلك سمَّاه مكرا.
{أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} قال وهب: اتخذت مأدبة، ودعت أربعين امرأة، منهن هؤلاء اللاتي عَيَّرْنَها. {وَأَعْتَدَت} أي: أعدت، {لَهُنَّ مُتَّكَأً} أي: ما يتكأ عليه.
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد: متكأ أي: طعاما، سماه متكأ لأن أهل الطعام إذا جلسوا يتكئون على الوسائد، فسمى الطعام متكأ على الاستعارة. يقال: اتكأنا عند فلان أي: طعمنا. ويقال: المتكأ ما اتكأت عليه للشرب أو الحديث أو الطعام، ويقرأ في الشواذ مَتْكَأً بسكون التاء.
واختلفوا في معناه: فقال ابن عباس: هو الأترج. ويروى عن مجاهد مثله. وقيل هو الأترج بالحبشة.
وقال الضحاك: هو الرباورد.
وقال عكرمة: هو كل شيء يقطع بالسكين.
وقال أبو زيد الأنصاري: كل ما يجز بالسكين فهو عند العرب متك، والمتك والبتك بالميم والباء: القطع، فزينت المأدبة بألوان الفواكه والأطعمة، ووضعت الوسائد ودعت النسوة.
{وَآتَت} وأعطت، {كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} فكُنَّ يأكلن اللحمَ حزَّاً بالسكين.
{وَقَالَتِ} ليوسف، {اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} وذلك أنها كانت أجلسته في مجلس آخر، فخرج عليهن يوسف.
قال عكرمة: كان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم.
وروي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي إلى السماء يوسف كالقمر ليلة البدر».
قال إسحاق بن أبي فروة: كان يوسف إذا سار في أزقة مصر يُرى تلألؤ وجهه على الجدران.
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أعظمنه، قال أبو العالية: هَالهُنَّ أمرُه وبُهتنَ. وقيل: أكبرنَه أي: حضن لأجله من جماله. ولا يصح.
{وَقَطَّعْنَ} أي: حززن بالسكاكين التي معهن، {أَيْدِيَهُنّ} وهنَّ يحسبن أنهن يقطعن الأترج، ولم يجدن الألم لشغل قلوبهن بيوسف.
قال مجاهد: فما أحسسن إلا بالدم.
وقال قتادة: أَبَنَّ أيديهنّ حتى ألقينها.
والأصح كان قطعا بلا إبانة.
وقال وهب: ماتت جماعة منهن.
{وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا} أي: معاذ الله أن يكون هذا بشرا. قرأ أبو عمرو: حاشى لله، بإثبات الياء في الوصل، على الأصل. وقرأ الآخرون بحذف الياء لكثرة ورودها على الألسن، واتباعا للكتاب.
وقوله: {مَا هَذَا بَشَرًا} نصب بنزع حرف الصفة، أي: ليس هذا ببشر، {إِنْ هَذَا} أي: ما هذا، {إِلا مَلَكٌ} من الملائكة، {كَرِيمٌ} على الله تعالى.


{قَالَتْ} يعني: راعيل، {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} أي: في حبه، ثم صرحت بما فعلت، فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي: فامتنع، وإنما صرحت به لأنها علمت أنه لا ملامة عليها منهنّ وقد أصابهنَّ ما أصابها من رؤيته، فقلنَ له: أطِعْ مولاتك. فقالتْ راعيل: {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ} ولئن لم يطاوعني فيما دعوته إليه، {لَيُسْجَنَنَّ} أي: ليعاقبن بالحبس، {وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} من الأذلاء. ونون التوكيد تثقل وتخفف، والوقف على قوله: {لَيُسْجَنَنَّ} بالنون لأنها مشددة، وعلى قوله: {وليكونا} بالألف لأنها مخففة، وهي شبيهة بنون الإعراب في الأسماء، كقوله: رأيت رجلا وإذا وقفت، قلت: رأيت رجلا بالألف، ومثله: {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ} [العلق- 15، 16]. فاختار يوسف عليه السلام السجن على المعصية حين توعدته المرأة.


{قَالَ رَبِّ} أي: يا رب، {السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} قيل: كان الدعاء منها خاصة، ولكنه أضاف إليهن خروجا من التصريح إلى التعريض.
وقيل: إنهن جميعا دعونه إلى أنفسهن.
وقرأ يعقوب وحده: السَّجْنُ بفتح السين. وقرأ العامة بكسرها.
وقيل: لو لم يقل: السجن أحب إليّ لم يُبْتَلَ بالسجن، والأوْلى بالمرء أن يسأل الله العافية.
قوله تعالى: {وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} أَمِلْ إليهن وأتابعهن، يقال: صبا فلان إلى كذا يصبو صبوا وصبُوَّاً وصُبُوَّةً إذا مال واشتاق إليه.
{وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} فيه دليل على أن المؤمن إذا ارتكب ذنبا يرتكبه عن جهالة.
{فَاسْتَجَابَ لَهُ} أجاب له. {رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} لدعائه العليم بمكرهن.
{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} أي: للعزيز وأصحابه في الرأي، وذلك أنهم أرادوا أن يقتصروا من أمر يوسف على الأمر بالإعراض. ثم بدا لهم أن يحبسوه. {مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ} الدالة على براءة يوسف مِنْ قَدِّ القميص، وكلام الطفل وقطع النساء أيديهن وذهاب عقولهن، {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} إلى مدَّة يرون فيه رأيهم.
وقال عطاء: إلى أن تنقطع مقالة الناس.
قال عكرمة: سبع سنين.
وقال الكلبي: خمس سنين.
قال السدي: وذلك أن المرأة قالت لزوجها: إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس، يخبرهم أني راودتُه عن نفسه، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر إلى الناس، وإما أن تحبسه، فحبسه، وذكر أن الله تعالى جعل ذلك الحبس تطهيرا ليوسف عليه السلام من همّه بالمرأة.
قال ابن عباس: عثر يوسف ثلاث عثرات: حين همَّ بها فسجن، وحين قال: {اذكرني عند ربك} فلبث في السجن بضع سنين، وحين قال للإخوة {إنكم لسارقون}، فقالوا: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل}.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10